طبّاخ بوتين.. من بريغوجين قائد مجموعة فاغنر الروسية
بالتزامن مع ارتفاع حدة الخلافات العلنية بين قائد مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين ووزارة الدفاع الروسية، وصولاً إلى رفض بريغوجين التوقيع على عقد مع الوزارة لتنظيم عمل قواته التي تقاتل بالنيابة عن روسيا في أوكرانيا، كشفت الإحصائيات الأخيرة أن شهرة زعيم فاغنر قد تجاوزت شهرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه في عمليات البحث على الإنترنت.
وكشفت مجلة نيوزويك الأمريكية الأربعاء نقلاً عن وكالة الأنباء الروسية المستقلة فيرستكا، قولها إن المواطنين الروس يبحثون بشكل مكثف عن معلومات حول بريغوجين، الملقب بـ "طباخ بوتين".
يدور هذا التقرير حول القصة المثيرة لـ "يفغيني بريغوجين"، الشخصية المبهمة وراء الشركة العسكرية الخاصة المعروفة باسم فاغنر، ونستعرض فيه أبرز المحطات في رحلة بريغوجين بدءاً من خلفية متواضعة إلى موقع قوة وشهرة، وصولاً إلى خلافاته الأخيرة مع قيادة الجيش الروسي. وهي القصة التي تقدم لمحة فريدة عن العالم المعقّد للحرب الحديثة والعمليات العسكرية التي تقودها المليشيات الخاصة.
صعود بريغوجين
ولد يفغيني فيكتوروفيتش بريغوجين عام 1961 في لينينغراد (سان بطرسبرج حالياً)، المدينة التي ينحدر منها بوتين أيضاً. نشأ في أسرة متواضعة وبدأ حياته المهنية كمجرم منخفض المستوى، وفق وسائل إعلام روسية.
وتضمنت مساعيه المبكرة إدارة عمليات احتيال صغيرة والانخراط في أنشطة غير قانونية كانت سبباً في الحكم عليه بالسجن لمدة 12 عاماً، قضى منها عشر سنوات.
ومع ذلك، ستأخذ حياة بريغوجين منعطفاً كبيراً، ما سيقوده إلى مسار غير متوقع. ففي أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي في 1991، وظهور نظام جديد في روسيا، حاول استغلال الفرص المتاحة للعمل في التجارة. وقد جاءت انطلاقته الأولى عندما أسس شركة طبخ في أوائل التسعينيات.
سرعان ما اكتسبت الشركة المعروفة باسم "كونكورد للطبخ" سمعة طيبة لخدماتها الغذائية عالية الجودة وعقودها المضمونة مع المنظمات المرموقة، بما في ذلك الحكومة الروسية.
استمرت إمبراطورية بريغوجين في التوسع لتشمل العديد من المطاعم والمقاهي وشركات تقديم الطعام. بينما زوده نجاحه في صناعة المواد الغذائية بالوسائل المالية للمغامرة في مساعٍ أخرى.
تأسيس فاغنر
في عام 2014، مع اشتداد الصراع في أوكرانيا، ظهرت التقارير حول مجموعة شبه عسكرية غامضة تُعرف باسم فاغنر. عملت المجموعة سراً، وعمل جنودها لاحقاً كمرتزقة في صراعات مثل أوكرانيا وسوريا ودول إفريقية مختلفة.
وطوال السنوات الثماني التي تلت تأسيسها، ظل زعيم المجموعة غامضاً لا يعرفه أحد تقريباً، إلى أن أقر بريغوجين شخصياً، في سبتمبر/أيلول 2022، أنه هو من أسس فاغنر في 2014 للقتال في أوكرانيا، واعترف أيضاً بانتشار عناصر منها في سوريا ودول إفريقية ولاتينية.
وفي بيان نشر على حسابات شركته "كونكورد للطبخ" عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أكد بريغوجين تدخل مجموعته في أكثر من نزاع عبر العالم بالقول: "والآن أعترف إليكم … هؤلاء الرجال الأبطال دافعوا عن الشعب السوري وشعوب عربية أخرى والأفارقة والأمريكيين اللاتينيين المعدومين، لقد أصبحوا إحدى ركائز أمتنا". على حدّ تعبيره.
وخلال الأسابيع الأولى التي تلت بدء الحرب الأوكرانية في أواخر فبراير/شباط 2022، انتشرت فيديوهات تظهر قيام بريغوجين وهو يقوم بتجنيد سجناء روسيين للقتال في صفوف مجموعته على الجبهة الأوكرانية.
"طبّاخ بوتين"
على الرغم من أن بريغوجين قد اكتسب شهرة دولية من خلال ارتباطه بـ"فاغنر"، فإنه بقي في نظر الكثيرين "الطاهي" الذي فتحت له وجباته ذي الجودة العالية أبواب الكرملين، لهذا أطلقت عليه وسائل الإعلام لقب "صباخ بوتين" بسبب خلفيته في تقديم الطعام وعلاقاته الوثيقة بالرئيس الروسي.
بدت هذه التسمية مناسبة، مع الأخذ في الاعتبار صعود بريغوجين من طاهٍ إلى شخصية ذات تأثير كبير في مجموعة من العمليات العسكرية السرية التي تخدم مصالح روسيا، من توفير الأمن للمصالح الروسية إلى المشاركة في القتال نيابة عن الحكومة الروسية.
وانصبت جميع محاولات بوتين السابقة لتبرئة الدولة الروسية من تحركات المجموعة العسكرية، معتبراً أنها مجرد شركة تحركها "مصالحها المرتبطة باستخراج موارد الطاقة ومختلف الموارد، مثل الذهب والأحجار الكريمة".
وتجدر الإشارة إلى الولايات المتحدة قد غذت شهرة يفغيني بريغوجين في عام 2016 بعد أن فرضت عليه وعلى الشركات التابعة له عقوبات بسبب تورطهم في التدخل في الانتخابات التي أوصلت ترامب إلى سدة الحكم. كما فرض الاتحاد الأوروبي عليه عقوبات بسبب انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها مرتزقة فاغنر بأوكرانيا.
خلافات مع قادة الجيش
خلال الأشهر الماضية، طفت على السطح الكثير من مسائل الخلاف بين زعيم فاغنر بريغوجين وجنرالات روس، على رأسهم وزير الدفاع سيرغي شويغو ورئيس الأركان فاليري غيراسيموف.
ووصلت هذه الخلافات ذروتها عندما اتهم بريغوجين هيئة الأركان العامة في بلاده بـ"الخيانة" في فبراير الماضي، وذلك بعد رفضها، على حدّ قوله تسليم المعدات والأسلحة التي تحتاج إليها عناصره المنتشرة في الخطوط الأمامية لجبهة القتال في شرق أوكرانيا.
في 5 مايو/أيار الماضي، خاطب بريغوجين الغاضب بوتين مباشرة في مناشدته للحصول على مزيد من الذخائر، بعد ساعات من نشر مقطع فيديو مملوء بالكلمات البذيئة وهو يقف أمام صفوف من مقاتليه الذين زعم أنهم قتلوا في معركة في باخموت. وهدد بأنه سيكون مضطراً لسحب مقاتليه من جبهة باخموت في إقليم دونيتسك الأوكراني، قبل أن يتراجع عن الأمر لاحقاً.
وقبل أيام تعمّق الصدع أكثر بين وزارة الدفاع وبريغوجين الذي رفض بدوره توقيع عقد يخضع مقاتليه إلى سيطرة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، وذلك في وقت تحاول فيه موسكو إحكام سيطرتها على الجيوش الخاصة التي تحارب نيابةً عنها في أوكرانيا.
النهاية
تشهد شهرة بريغوجين ارتفاعاً نيزكياً مؤخراً. ووفقاً لـ"فيرستكا"، وصلت شعبية رئيس فاغنر في الفترة من 28 مايو إلى 3 يونيو/حزيران، عند مستوى 100 نقطة (أعلى مؤشر).
وتعليقاً على هذه النتائج، كتب أنطون جيراشينكو، مستشار وزير الشؤون الداخلية الأوكراني، على تويتر: "صراع بريغوجين مع وزارة الدفاع الروسية أدى إلى تزايد شعبيته التي تجاوزت الآن شعبية بوتين". وأضاف: "أعتقد أنه بهذا المعدل، قد تقع بعض الحوادث لبريغوجين".
وفي سياق متصل، قال فلاد ميخنينكو، الخبير في التحول ما بعد الشيوعية لأوروبا الشرقية والاتحاد السوفييتي السابق في جامعة أكسفورد البريطانية، خلال حديثه لمجلة نيوزويك إنه يعتقد أن بريغوجين "أجهد نفسه أكثر من اللازم" وأن "حياته الجسدية ستنتهي فجأةً وبصورة لا إرادية عما قريب. أراهن أنه سيُعثر على بريغوجين ميتاً في واقعة انتحار مدبرة، بينما يحمل في يده مسدساً مع رسالة انتحار سخيفة".
وأشار ميخنينكو إلى أن موسكو تستطيع أيضاً أن تزوّد أوكرانيا بالموقع الجغرافي المحدد لبريغوجين، الذي يقع على بعد 70 كيلومتراً من صواريخ هيمارس، حتى تقضي عليه، ما سيوفر دفعة دعاية تجنيدية بطولية جديدة لمجموعة فاغنر".
وتابع أن "الخيار الواقعي الوحيد الآخر يتمثل في السماح لبريغوجين بالعودة إلى روسيا، قبل تفجيره بسيارةٍ مفخخة كما حدث مع داريا دوغينا وزاخار بريلبين".
منقول…