من هم “أغوات” الحرمين الشريفين ؟
فقدَ المسجد النبوي الشريف، العام الماضي أحد أقدم خادميه؛ فقد توفي الشيخ حبيب محمد العفري، شيخ أغوات المسجد، بعد صراع مع المرض، وأُقيمت صلاة الجنازة عليه بالمسجد النبوي، وتم دفنه بمقبرة بقيع الغرقد.
وأعلنت وكالة الرئاسة العامة لشؤون المسجد النبوي بالسعودية، وفاة العفري عبر “تويتر”، مغردةً: “انتقل إلى رحمة الله تعالى الأغا حبيب محمد العفري، أحد أقدم أغوات المسجد النبوي الشريف؛ الذين اختصهم الله بخدمة مسجد رسول الله في فترة من الزمن”.
مَن هم الأغوات؟ ….والأغوات هم مجموعة من الرجال يقومون بخدمة المسجدَين شرط أن يكونوا مخصيين وحافظين للقرآن
مع تقدُّم الوقت يتقلص عدد أغوات الحرمين الشريفين بشكل ملحوظ؛ فبعد وفاة العفري لم يتبقَّ سوى ثلاثة منهم في المسجد النبوي الشريف، وواحد في المسجد الحرام. والأغوات هم مجموعة من الرجال يقومون بخدمة المسجدَين شرط أن يكونوا مخصيين وحافظين للقرآن، وغالباً ما كان الأغوات أفارقة؛ إذ انتشر الإخصاء في إفريقيا بفعل الاستعمار أو نتيجة معتقدات البلاد التي قدموا منها… إلخ.
وكان يتم اختيار الأغوات من الخصيان على اعتبار أنهم زاهدون ومتجردون من متع الدنيا، وعليه سيكونون أكثر تفرغاً وإخلاصاً (نظراً لوجود النساء) من غيرهم لخدمة الأماكن المقدسة، وربما يفسِّر شرط أن يكونوا مخصيين تقلص عددهم؛ إذ إن تلك الممارسة تراجعت بفعل الزمن. ومن الشروط الأخرى التي يجب توفرها في الأغا؛ أن يتمتع بالقوة الجسمانية، ويقبل بتطبيق النظام عليه ويؤدي واجباته ويطيع الأوامر، وأن ينام في الحرم سبع سنوات ليل نهار.
وتنقسم بداية اعتماد الأغوات إلى شقَّين؛ فكانت بداية اعتمادهم لخدمة المسجد الحرام من قِبل معاوية بن أبي سفيان، الذي جلب عبيداً لخدمة الكعبة، بينما استبدل بهم ابنه يزيد بن معاوية، الخصيان لاحقاً، علماً بأن هناك رواية تشير إلى أن أول مَن جلب الخصيان لخدمة الحرم كان السلطان نور الدين زنكي، عام 1162م، بناءً على حلم متكرر رآه! أما بداية استخدام الأغوات لخدمة المسجد النبوي الشريف؛ فكانت لأول مرة في عهد الخليفة الناصر صلاح الدين الأيوبي.
وللفظ “أغا” الأعجمي معانٍ مختلفة في عدة لغات؛ ففي اللغة الكردية غالباً ما يشير إلى الشيخ والوجيه والثري، وفي التركية يعني السيد أو التاجر الثري، وفي الفارسية يُطلق مسمى “أغا” على رئيس الأسرة؛ لكن في مكة المكرمة والمدينة المنورة يشير اللفظ إلى خادمي المسجد النبوي والمسجد الحرام من المخصيين تحديداً.مهام وحياة خاصة
يؤدي الأغوات مهامهم التي تصل إلى نحو أربعين مهمة، ضمن سُلَّم وظيفي على رأسه شيخ الأغوات، وتتلخص المهام الموكلة إليهم بتنظيف الحجرة النبوية شرق المسجد النبوي بماء الورد وتعطيرها بالمسك والعنبر، وفتحها لضيوف الدولة.
بينما يقوم الأغوات؛ سواء في المسجد النبوي أو في المسجد الحرام بالفصل بين الرجال والنساء، ومنع النساء من الطواف بعد الأذان، والكنس وتنظيف وإنارة القناديل، وتقديم ماء الزمزم للملك ورؤساء الدول الإسلامية والوفود الرسمية، علماً بأنه نظراً لتقدمهم في السن وتراجع حالتهم الصحية لم يعد الأغوات يقوون على ممارسة مهامهم.
مفاتيح الحجرة النبوية- عادل القريشي
وإلى جانب حياتهم المكرسة لخدمة الحرمين الشريفين، للأغوات حياة خاصة؛ فعلى الرغم من كونهم مخصيين وبالتالي فاقدين لقدرتهم ورغبتهم الجنسية، فإنهم كانوا يشترون الجواري في الماضي، وبعد إلغاء الإماءة لجؤوا إلى الزواج؛ بغرض تلقي الرعاية عند الحاجة أو المرض، من الجارية سابقاً أو الزوجة في ما بعد.
ومع أن رواتبهم متوسطة، إلا أن الأغوات أثرياء وذلك بفضل المكافآت والهبات والتجارة، كما أن للأغوات العديد من الأوقاف في مكة المكرمة والمدينة المنورة ومدن أخرى في المملكة؛ لكن لا يمكنهم توريثها ولا يحق لهم وهبها لأحد، إذ تموت حصتهم مع موتهم.
الأغوات في العهد الحديث للمملكة
ولطالما قدَّرت المملكة السعودية جهود الأغوات في خدمة الحرمين الشريفين، ويتضح ذلك من خلال القرارات الملكية الصادرة بخصوصهم؛ فوفقاً للمادة (42) التي صدرت بعهد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، “إن رئيس الأغوات وجماعته أمة مستقلة في نظامهم الداخلي، وأن هذا الاستقلال الإداري ممنوح لهم بتقرير الملك عبدالعزيز، المعطى لهم والمنصوص عليه في المادة (40)”.
ولم يختلف موقف الملك سعود من الأغوات عن والده؛ فقد أكده في تقرير ملكي صادر عام 1954م، جاء فيه “إننا نقر أغوات الحرم المكي أن يبقوا على الترتيب والعادة التي يسيرون عليها في أمورهم الخاصة وألا يتعرض لهم في هذه الأمور أو يتدخل في هذه الشؤون أحد”.
كما صدر قرار من مجلس الوزراء السعودي رقم 925 عام 1971م، ومفاده: “يبقى الأغوات على عاداتهم وتقاليدهم وما هم عليه”.