Toboupost تبوبوست

View Original

كوبا تمضي قدماً بصنع لقاحها الخاص..

تعد كوبا دولة صغيرة، إذ يبلغ عدد سكانها 11 مليون نسمة فقط، وتعاني من نقص مستمر في السلع الأساسية مثل الأرز والباراسيتامول بسبب العقوبات والاقتصاد المنهار. لكنها تمتلك تاريخاً طويلاً من البحث الطبي وجيشاً من الأطباء المكافحين، جعلها في وضع جيد خلال جائحة كورونا. وهي الآن تمضي قدماً في تجاربها حول لقاحاتها الخاصة المضادة لكوفيد-19، أبرزها لقاح (Soberana-2) أو "السيادة"، فهل تنجح كوبا الفقيرة بذلك، وتصبح أصغر دولة في العالم تصنع لقاحات كورونا؟

بداية، ما حكاية القطاع الطبي القوي في كوبا الذي نجا من الانهيار الاقتصادي؟

بعد الثورة الشيوعية عام 1959، فر نصف أطباء جزيرة كوبا إلى الخارج. رداً على ذلك، قام فيدل كاسترو بضخ الأموال في قطاع الرعاية الصحية؛ حيث كان يأمل في أن تكون الأدوية قابلة للتصدير، مثل السكر.

وأنشأ كاسترو سريعاً نظاماً تدريبياً محلياً جديداً، ليعوض سابقه، وأولاه عناية خاصة، وهو ما مكَّن البلاد من توفير عدد هام من الأطباء الأكفاء الذين تلقوا تعليماً معروفاً بالانضباط والجدية؛ حيث يخضع الأطباء الكوبيون إلى نظام صارم تشرف عليه الدولة، ولا يتلقى أولئك الذين يعملون منهم داخل البلاد سوى أجور جد منخفضة لا تتجاوز 60 دولاراً في الشهر.

مركز علم المناعة الجزيئي (cim) في كوبا/ nature

وأثناء الانهيار الاقتصادي الذي أعقب نهاية الاتحاد السوفييتي في أوائل التسعينيات، حيث تقلص الناتج المحلي الإجمالي بمقدار الثلث في ثلاث سنوات في كوبا، كانت الدولة الفقيرة تفتتح مركز علم المناعة الجزيئي (cim) في هافانا. وفي الوقت الذي لم يكن هناك فيه مال لشراء الطعام، كان هناك مرفق جديد تماماً قد أنشئ لأبحاث السرطان، وهو ما يفسر الرغبة في التقدم الطبي لهذه الدولة الفقيرة.

وتعد كوبا من الدول التي تمتلك جيشاً من الأطباء ذوي الكفاءة العالية، بل ويشكل قطاع الطب أحد المجالات الأكثر تطوراً في البلاد. فرغم أن هذا البلد الصغير يعتبر فقيراً ويبلغ متوسط الراتب الشهري فيه نحو 20 دولاراً فقط في الشهر، فإنه يوفر لسكانه نظاماً صحياً جيداً ومجانياً وأطباء من ذوي الكفاءة العالية، وذلك انسجاماً مع طبيعة نظامه الاشتراكي، وتطبيقاً للدستور الكوبي الذي ينص على الحق في الصحة إلى جانب التعليم.

والنظام الصحي في كوبا مجاني حتى بالنسبة للأعراض البسيطة للمرض، وهو ما يدفع المواطنين إلى زيارة الأطباء بشكل مستمر. ففي المجال الصحي، تعتمد كوبا على مبدأ: الوقاية أفضل من العلاج. ويركز الأطباء الكوبيون على النظام الوقائي لوقف الأمراض قبل انتشارها والحد من مضاعفاتها. 

فالبلاد توفر لكل 150 مريضاً، طبيباً، وهي نسبة عالية لا توجد حتى في دول متقدمة. وقد انعكس هذا الأمر بشكل كبير على الوضع الصحي في البلاد، وحتى على معدل العمر الذي يصل إلى 77 عاماً للرجال و81 عاماً للنساء، وهو ما يقارب النسبة في المملكة المتحدة التي يبلغ فيها معدل العمر إلى 79 عاماً بالنسبة للرجال و83 بالنسبة للنساء.

أطباء كوبيون يستعدون للتوجه لإيطاليا للمساعدة في مواجهة الجائحة، مايو 2020/ رويترز

الطب مقابل النفط

ويعمل عشرات الآلاف من الأطباء الكوبيين في الخارج، وتشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 50.000 طبيب كوبي يعملون في أكثر من 77 دولة ويضخون نحو مليار دولار سنوياً في خزينة الدولة، وهو ما يشكل أحد المصادر الرئيسية للاقتصاد الكوبي.

ويشارك الأطباء الكوبيون في المهام الإنسانية العديدة التي ساهمت فيها كوبا منذ عام 1963. وقد كانت البلاد تُقدّم هذه الخدمة بشكل مجاني، لكنها بدأت منذ عام 2000 في طلب رسوم من الدول الغنية، بعدما أُنهك اقتصادها بسبب الأزمة الاقتصادية الناجمة عن انهيار الاتحاد السوفييتي السابق.

ومن بين الدول التي يوجد فيها أطباء كوبيون، اليمن وغينيا وإثيوبيا وغينيا بيساو وأوغندا وغانا وغامبيا وغينيا الاستوائية، حيث أنشأت هافانا مرافق صحية مختلفة، خاصة في الفترة ما بين عامَي 1963 و2004. ويعمل أكثر من 10.000 طبيب كوبي في فنزويلا، مقابل حصول كوبا على 100 ألف برميل نفط يومياً بأسعار مخفضة من كراكاس. أيضاً يوجد الآلاف منهم في دول إفريقية ومنها الجزائر، التي وقعت مع كوبا اتفاقية "النفط مقابل الأطباء" توفد بموجبها كوبا الطواقم الصحية مقابل حصولها على الوقود الجزائري.

وخلال جائحة كورونا، سارعت كوبا لإرسال عشرات الأطباء لمختلف الدول التي عانت من نقص الأطباء، أبرزها إيطاليا في مايو/أيار 2020، حيث تابع الآلاف من المشاهدين صور 52 من الأطباء الكوبيين وهم ينزلون بفخر من على طائرة حملتهم إلى إيطاليا حين كانت البلاد تئن تحت جائحة كورونا. ورأى الكثيرون في إيطاليا ذلك عملاً بطولياً وصفقوا له.

وقبل كورونا، تعودت مناطق الأوبئة على وصول فرق أطباء من كوبا، كما حدث مثلاً، في هايتي زمن الكوليرا وفي دول إفريقية، في مواجهة فيروس إيبولا، وغيرها.

ما حكاية اللقاحات الكوبية؟ وهل تنجح هافانا بامتلاكها؟

وقد يبدو من غير المعقول أن جزيرة فقيرة تعاني من نقص في الغذاء والأدوية الأساسية مثل المسكنات والمضادات الحيوية يمكن أن تنتج لقاحاً متطوراً، لكن كوبا تنتج لقاحاتها الخاصة منذ عقود، بحسب تقرير لمجلة Nature العلمية.

وقال علماء كوبيون الشهر الماضي لشبكة CNN الأمريكية إن "نفس العقوبات الأمريكية التي عزلت الجزيرة أجبرت كوبا على أن تصبح رائدة في الطب الحيوي". وتتابع كوبا البروتوكولات المعمول بها وتقدم تحديثات بشأن تطوير لقاحها وفقاً لمراقبين دوليين. 

علماء كوبيون يحملون عينات من لقاح (Soberana-2) الذي تصنعه كوبا بالكامل/ رويترز

وبحسب هؤلاء العلماء، فإن كوبا على الأرجح لا تستطيع تحمل تكاليف استيراد لقاحات من الخارج، وإذا انتهى الأمر بنجاح الجزيرة في أكثر من لقاح، فقد يسمح ذلك للأطباء بامتلاك "أكبر ترسانة للقضاء على كورونا". ومنذ ظهور الفيروس، أصيب في كوبا 51 ألفاً و587 شخصاً، توفي منهم 328 شخصاً.

في السياق، يقول تقرير لمجلة Economist البريطانية، إنه منذ سنوات طويلة، تنتج كوبا نحو 5 ملايين جرعة من اللقاحات البسيطة أو المركبة للأمراض المختلفة للاستخدام المنزلي، كل عام. والآن، تقوم كوبا بالاعتماد على ذاتها في تطوير خمسة لقاحات محتملة لفيروس كوفيد -19.

وتم تطوير لقاح Soberana-2 بواسطة شركة التكنولوجيا الحيوية المملوكة للدولة BioCubaFarma، حيث تم تطعيم أكثر من 44000 مشارك في تجارب المرحلة الثالثة من اللقاح حتى الآن، وتم شحن 100000 جرعة من اللقاح إلى إيران لإجراء مزيد من التجارب. وتأمل الحكومة الكوبية أن تتمكن، إذا نجحت، من إنتاج 100 مليون جرعة بحلول نهاية العام. كما يمكن بيع أي لقاحات لا تُستخدم محلياً إلى حلفاء، مثل فنزويلا. ويدرس المسؤولون أيضاً في تقديم اللقاحات مجاناً للسياح، لكسب العملة الصعبة.

وتقول المجلة البريطانية إن العديد من الكوبيين يأملون في أن يكونوا متطوعين لاختبار لقاح (Soberana-2) أو "لقاح السيادة"، المرشح الأكثر تقدماً للقاحات كورونا في كوبا، وتعلق هافانا الكثير من الآمال عليه. وإذا نجحت التجارب، فإن اللقاحات الكوبية ستكون أول لقاحات يتم تطويرها في أمريكا اللاتينية، وستكون كوبا أصغر دولة في العالم تصنع لقاحات كورونا.

معوقات أمام نجاح كوبا بامتلاك لقاحها

لكن خلف هذه المثابرة، تظهر صورة أكثر تعقيداً. فحالات الإصابة بفيروس كوفيد-19 المبلغ عنها باتت في ارتفاع مؤخراً، وذلك على الرغم من أن أعداد الإصابات الاجمالية صغيرة مقارنة بمعظم البلدان. وهناك الآن حوالي 1000 حالة في اليوم، وهو أعلى 20 مرة مما كان عليه في نهاية عام 2020. ويرجع بعض هذا الارتفاع إلى تدفق الزائرين الكوبيين الأمريكيين من الولايات المتحدة بعد إعادة فتح المطارات في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

وتقول المجلة البريطانية، إنه حتى إذا أثبت أحد هذه اللقاحات فاعليته، فمن غير المرجح أن تجني الحكومة الكثير من المال منه، كما يقول تقرير مجلة الإيكونومست؛ إذ إن تطوير الأدوية الحديثة هو عمل ينطوي على مخاطر عالية ويتطلب الكثير من رأس المال؛ أكبر بكثير مما يستطيع الاقتصاد الكوبي المقيد توفيره. 

ممرضة تحمل جرعة من لقاح Soberana-2 خلال استخدامها في تجارب المرحلة الثالثة السريرية، هافانا، كوبا/ رويترز

كما أن تكاليف التصنيع مرتفعة؛ لأن كوبا تصنع بعض المكونات محلياً، وبدلاً من ذلك تعتمد على الواردات باهظة الثمن. وقد يكون نقص قوارير المطاعيم، على سبيل المثال، عائقاً أمام كوبا لتلقيح سكانها سريعاً ضد كورونا. بنفس الطريقة التي يؤدي بها نقص الزجاجات البلاستيكية في كثير من الأحيان إلى صعوبة العثور على مشروبات مثل المياه المعدنية في كوبا.

وستستغرق التجارب السريرية عدة أشهر أخرى، على الرغم من أنه قد يتم تقديم اللقاح إلى المزيد من الأشخاص قبل ظهور جميع النتائج. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان سيتم التصنيع محلياً أو الاستعانة بمصادر خارجية جزئياً إلى إيران أو الصين أو تايلاند.

وتفرض الولايات المتحدة حظراً تجارياً على كوبا منذ الستينات من القرن الماضي، ولا يزال قائماً حتى الآن. وتواجه الجزيرة هذا العام أعمق ركود لها منذ التسعينيات، بسبب العقوبات والانخفاض المرتبط بإغلاق السياح بسبب الجائحة؛ لذا فإن نجاح اللقاحات المحتمل هو قصة "أخبار سارة" تشتد الحاجة إليها لدى الكوبيين، برغم ظروفهم الاقتصادية الصعبة.